تاريخ استقلال إريتريا: من الاستعمار إلى السيادة

Eritreas-Historia-om-Självständighet-Från-Kolonisation-till-Suveränitet

إريتريا، الواقعة في القرن الأفريقي على ساحل البحر الأحمر، تمتلك تاريخًا حافلًا بالنضال والصمود. لقد كانت رحلة البلاد نحو الاستقلال طويلة وشاقة، لكنها توّجت أخيرًا بإعلان قيام الدولة الإريترية ذات السيادة عام 1993. في هذا المقال، نستعرض أبرز المحطات التاريخية التي قادت إلى استقلال إريتريا، مع التركيز على الحقبة الاستعمارية، وحرب التحرير الإريترية، وبداية السيادة الوطنية.

الفترة الاستعمارية: أرض الغزو والصراع

بدأ التاريخ الاستعماري لإريتريا في أواخر القرن التاسع عشر، وذلك بسبب موقعها الاستراتيجي المهم على ساحل البحر الأحمر. نتيجة لذلك، أصبحت البلاد ساحة تنافس بين القوى الأوروبية خلال ما عُرف بـ«سباق أفريقيا».

في عام 1889، كانت إيطاليا أول دولة أوروبية تؤسس مستعمرة في إريتريا، بعد هزيمتها للدولة العثمانية. هدفت إيطاليا من ذلك إلى جعل إريتريا نقطة انطلاق لمشروعها الاستعماري في شرق أفريقيا.

ورغم تطوير البنية التحتية، مثل السكك الحديدية والموانئ والطرق، فإن هذه المشاريع خُصصت في الأساس لخدمة المصالح الاستعمارية. إضافة إلى ذلك، فرض الإيطاليون نظامًا قائمًا على التمييز والاستغلال، كما حاولوا طمس الثقافات واللغات المحلية لصالح الثقافة الإيطالية.

ما بعد الحرب العالمية الثانية والاتحاد مع إثيوبيا

مع نهاية الحرب العالمية الثانية وسقوط إيطاليا عام 1945، وُضعت إريتريا تحت إدارة الأمم المتحدة. وفي عام 1952، تم ضمها إلى اتحاد فدرالي مع إثيوبيا، على أن تحتفظ بحكم ذاتي محدود.

لكن هذا الوضع لم يستمر طويلًا. ففي عام 1962، ألغى الإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي الاتحاد الفدرالي، وضم إريتريا رسميًا إلى إثيوبيا، كما حلّ البرلمان الإريتري. ونتيجة لذلك، اندلعت اضطرابات واسعة، وظهرت حركات مقاومة تطالب بالاستقلال وحق تقرير المصير.

حرب التحرير الإريترية

بدأ الكفاح المسلح من أجل استقلال إريتريا عام 1961، مع تأسيس «جبهة التحرير الإريترية» (ELF). هدفت الجبهة إلى إنهاء الاحتلال الإثيوبي واستعادة السيادة الوطنية. في البداية، حققت الجبهة بعض النجاحات، إلا أن الخلافات الداخلية أثرت لاحقًا على فاعليتها.

في منتصف سبعينيات القرن الماضي، ظهرت «الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا» (EPLF) بقيادة أسياس أفورقي. ركزت هذه الجبهة على توحيد صفوف الشعب، وحظيت بدعم واسع، خاصة في المناطق الريفية. كما استلهمت أفكارها من المبادئ الماركسية، وتلقت دعمًا من قوى إقليمية معارضة للنظام الإثيوبي.

استمرت الحرب لعقود، وكانت طويلة ودموية. ومع ذلك، خاض الإريتريون حرب عصابات ناجحة، وحققوا انتصارات حاسمة، خاصة في المناطق الجبلية، كما تمكنوا من صدّ الهجمات العسكرية المتكررة.

نظام الدرج وسقوط هيلا سيلاسي

في عام 1974، أُطيح بالنظام الملكي الإثيوبي بانقلاب عسكري قاده نظام «الدرج» الماركسي. ورغم أن النظام الجديد أبدى في البداية بعض التعاطف مع القضية الإريترية، إلا أنه سرعان ما تحول إلى أحد أعنف خصومها.

شنّ نظام الدرج، بقيادة منغستو هايلي مريم، حملات عسكرية قاسية، شملت تدمير القرى وارتكاب انتهاكات واسعة. ومع ذلك، واصل الشعب الإريتري مقاومته بإصرار وصمود.

في عام 1991، انهار نظام الدرج نتيجة هزائمه العسكرية والأزمات الداخلية. وبالتنسيق مع «الجبهة الشعبية لتحرير تغراي» (TPLF)، تمكنت الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا من تحرير كامل الأراضي الإريترية.

ولادة الأمة الإريترية

بلغ النضال ذروته في عام 1993، عندما أُجري استفتاء شعبي تحت إشراف دولي. صوّت الشعب الإريتري بأغلبية ساحقة لصالح الاستقلال. وفي 24 مايو من العام نفسه، أُعلن استقلال إريتريا رسميًا، وتولى أسياس أفورقي رئاسة الدولة الجديدة.

مثّل هذا الحدث نهاية عقود من الكفاح، وبداية مرحلة جديدة مليئة بالتحديات. فقد واجهت الدولة الوليدة مهام إعادة بناء الاقتصاد، وتأسيس المؤسسات، والحفاظ على السيادة في منطقة تعاني من اضطرابات سياسية مستمرة.

الخلاصة

إن تاريخ استقلال إريتريا هو شهادة حيّة على صمود الشعب الإريتري وإرادته القوية. فمن المعاناة تحت الحكم الاستعماري، إلى عقود من النضال ضد الاحتلال، كانت طريق السيادة مليئة بالتضحيات. ومع ذلك، نجح الإريتريون في تحقيق حلمهم، وأسسوا دولة مستقلة وفخورة. واليوم، يواصل الشعب الإريتري مسيرته نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.

الوسوم